لم اعتبر للحظة أن عبد الناصر كان زعيم بلا أخطاء إنما بالتأكيد كانت إيجابياته أكبر من اخطائه، ولم يكن عندي أي مشكلة مع معارضي عبد الناصر الذي اختلفوا مع توجهاته الاشتراكية أو سياساته الخارجية فهؤلاء مواطنين مصريين وعرب لهم كامل الحق في أن يرفضوا أو يؤيدوا مايشاءون دون توصيفات (رجعية،عملاء استعمار، خونة). ستبقي المعضلة في اختيار الكذب والتجهيل كمنهج للتعامل مع عبد الناصر حتى أصبحنا نتحدث عن رجل آخر حتى صدق بعضنا أمور لا علاقة لها بالواقع، فمقولة أن عبدالناصر جلب لنا الهزائم، وكأننا لم نكن دولة محتلة منذ عام 1882 (وقبلها) وأن عبدالناصر هو الذي حقق الاستقلال لا غيره. كما هزمت مصر ومعها الجيوش العربية في 1948 وأقيمت دولة إسرائيل، أي أن عبدالناصر لم يذهب إلي حيث يختبئ اليهود في الشتات يبحث عن الحروب إنما هم الذين جاءوا عندنا وهزموا جيوشنا الملكية. عبدالناصر انتصر انتصارا سياسيا ساحقا في 56 وصمد عسكريا، وأقول كأستاذ وباحث علوم مسياسية وليس بمنطق المؤيد او المعارض لعبد الناصر أن كل الكتابات الغربية والعربية المحترمة اعتبرت أن عبد الناصر انتصار انتصارا كبيرا وغير خريطة العالم بإنهاء عصر الاستعمار وبزوغ عصر الاستقلال والتحرر الوطني. صحيح أن عبدالناصر مسئول عن هزيمة 67 وطبيعي أن يهاجم باعتباره زعيمًا خسر حرب وليس على اعتبار أن تاريخه كله هزائم، فالرجل استقال عقب الهزيمة، وهو بذلك يكون أول زعيم عربي يعترف بالهزيمة ويستقيل، ومع ذلك يقول لك البعض إنها "تمثيلية"، ويبقي السؤال البسيط لماذا لم يفعل المهزومون في حروب إسرائيل وغزو الكويت نفس التمثيلية ويفكرون بالاستقالة؟ . نعم عبد الناصر لم يكن ديمقراطيا لأن الأولوية في عصرة كانت للتحرر الوطني والتخلص من الاحتلال والاستعمار وخطأ من جاءوا بعده في الحكم من معارضية كما بعض مؤيدية أنهم تناسوا أننا طوينا عصر التحرر الوطني وأصبحت الديمقراطية لها اولوية قصوي مثل التنمية والعدالة الاجتماعية عبدالناصر تكلم عن الشعب في كل خطبه باحترام غير مسبوق، ووصفه بالقائد المعلم، ودافع عن حقوق الجماهير والضعفاء، وغاب عن قاموسه الحديث عن مؤسسات الدولة وأجهزتها مثلما يجري الآن، حتى بدت وكأنها أهم من الشعب نفسه، فالشعب المصري في خطاب عبدالناصر هو المستهدف من الاستعمار ومن أعوانه وليست الدولة، وحتى حين كان يتحدث عن الجيش كانت الكلمة المحببة للجميع هي جيش الشعب، مع الشعار الخالد: "بالجيش والشعب سنكمل المشوار" نعم عبدالناصر لم يكن نبيا ولا رسولا فهو بشر أخطأ وأصاب وتجربته يمكن الخلاف معها جزئيا أو كليا، إنما ليس هذا ما جري في مصر على مدار 40 عاما إنما حملة كراهية منظمة ضد "الزعيم الشعبي" وتكريس هزيمة داخلية تبث في نفوس الكثيرين بأن الشعب لن يختار إلا المهزومين فاتركوا "لهم" حق الاختيار بدلا من الشعب